في خضم آيات الصيام التي تهذب النفس وتزكي الروح، تتجلى هذه الآية العظيمة
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ
البقرة 186
إنها رسالة تطمئن القلوب، وتملأ الأرواح يقينًا، وتزرع في النفس الأمل، فالله قريب، يسمع الدعاء، ويجيب المضطر إذا دعاه.
موضع الآية ودلالتها
جاءت هذه الآية وسط آيات الصيام، وكأنها تذكير للمؤمن بأن هذا الشهر ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو فرصة للعودة الصادقة إلى الله، وفرصة للدعاء المستجاب.
إن ورود هذه الآية في هذا الموضع ليس عبثًا، بل هو تنبيه إلى أن رمضان هو شهر الدعوات، ولياليه هي أغلى أوقات القرب من الله، ففيه ليلة القدر، وفيه لحظات الاستجابة عند الإفطار والسحر.
كرامة الانتساب إلى الله
من أسمى ما في هذه الآية أن الله نسب عباده إليه بقوله: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي)، فالله عز وجل لم يقل “الناس” أو “البشر”، بل قال “عبادي”، وهذا شرف عظيم لا يضاهيه شرف.
فإذا كنت عبدًا لله، فهذا يعني أنك في معية الكريم، وأنك تحت رحمته، وأنه قريب منك يسمع نجواك ويرى حاجتك.
القرب الإلهي وعطاؤه
ما أعظم أن يكون الله قريبًا منك! ليست هناك وسائط، ولا حواجز، فقط ارفع يديك، وتحدث إليه بما في قلبك، فهو القائل: “فَإِنِّي قَرِيبٌ”.
هذا القرب ليس مجرد سماع، بل هو قرب إجابة وعطاء: “أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ”، فإذا دعوت بإخلاص، فاعلم أن الإجابة قادمة، ربما في الوقت الذي ترجوه، أو في وقت يعلمه الله أنه الأنسب لك.
الدعاء في رمضان.. فرصة لا تُضيع
إذا كان الله قد وعد بإجابة الدعاء، وكان رمضان موسم الرحمة والبركة، فكيف نغفل عن هذه الفرصة العظيمة؟
في رمضان تُفتح أبواب السماء، ويعتق الله الرقاب من النار، فليكن دعاؤنا في هذا الشهر عامرًا بالرجاء، طامحًا إلى القبول، مقرونًا باليقين في الله.
قال النبي ﷺ: “إن للصائم عند فطره دعوة لا تُرد” [ابن ماجه]، فكم من أمانٍ تحققت، وكم من هموم انزاحت، وكم من أرزاق فُتحت بسبب دعوة صادقة في رمضان!
كيف يكون دعاؤنا مستجابًا؟
1. الإخلاص: أن يكون الدعاء خالصًا لله، بعيدًا عن الرياء.
2. حضور القلب: فلا يكن دعاؤنا مجرد كلمات، بل يجب أن يكون من أعماق القلب.
3. اليقين بالإجابة: فإن الله لا يخيب من أحسن الظن به.
4. تحري أوقات الإجابة: كالسحر، وعند الإفطار، وفي السجود، وليلة القدر.
5. الإلحاح وعدم الاستعجال: فقد يكون تأخر الإجابة لحكمة لا ندركها.
(فَإِنِّي قَرِيبٌ).. جملة تحمل بين طياتها كل معاني الطمأنينة، وتزيل عن القلب كل همّ، وتجعل رمضان موسمًا ليس فقط للعبادة، بل للحوار الدافئ مع الله.
فلنرفع أيدينا بالدعاء، ولنغتنم ليالي هذا الشهر المبارك، ولنكن على يقين بأن الله